فصل: (فَصْلٌ): (تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ فِي اللُّقَطَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [مَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ]:

(وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ اللُّقَطَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ). الضَّرْب الْأَوَّلُ: (حَيَوَانٌ) مَأْكُولٌ كَالْفَصِيلِ وَالشَّاةِ وَالدَّجَاجَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطَ- (فِعْلُ الْأَصْلَحِ) مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، (أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ) فِي الْحَالِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَسُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الشَّاةِ- «هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ»، فَجَعَلَهَا لَهُ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ، وَالذِّئْبُ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا؛ وَلِأَنَّ فِي أَكْلِ الْحَيَوَانِ فِي الْحَالِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهِ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا جَاءَ، وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ حَفِظَ صِفَتَهُ، فَمَتَى جَاءَ رَبُّهُ فَوَصَفَهُ؛ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ بِكَمَالِهَا، (أَوْ بَيْعُهُ)- أَيْ: الْحَيَوَانَ- لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ فَبَيْعُهُ أَوْلَى، (وَحِفْظُ ثَمَنِهِ) لِصَاحِبِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ، (أَوْ حِفْظُهُ)- أَيْ: الْحَيَوَانَ- (وَيُنْفِقُ) مُلْتَقِطٌ (عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَالِكِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا إنْفَاقٍ عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ، وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْحَيَوَانَ، وَلَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ لَا يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ. (وَيَرْجِعُ) الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الْحَيَوَانِ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ بِأَنْ الْتَقَطَهُ؛ لَا لِيُعَرِّفَهُ، أَوْ بِنِيَّةِ تَمَلُّكِهِ فِي الْحَالِ، (إنْ نَوَى) الرُّجُوعَ عَلَى مَالِكِهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ، كَالْوَدِيعَةِ. قَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي طَيْرَةٍ أَفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ: فَقَضَى أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الطَّيْرَةِ، وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا. (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ (الثَّلَاثَةُ) فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْأَحَظُّ مِنْهَا؛ (خُيِّرَ)؛ لِجَوَازِ كُلٍّ مِنْهَا، وَعَدَمِ ظُهُورِ الْأَحَظِّ فِي أَحَدِهَا. (قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَوْلَى) لِلْمُلْتَقِطِ (حِفْظٌ) مَعَ الْإِنْفَاقِ، (فَبَيْعٌ) وَحِفْظُ ثَمَنٍ، (فَأَكْلٌ) وَغُرْمُ قِيمَةٍ انْتَهَى.
الضَّرْبُ (الثَّانِي): مَا اُلْتُقِطَ مِمَّا (يُخْشَى فَسَادُهُ) بِتَبْقِيَتِهِ؛ كَالْبِطِّيخِ وَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْفَاكِهَةِ؛ (فَيَلْزَمُهُ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطَ- (فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ) بِقِيمَتِهِ، وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ) قِيَاسًا عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حِفْظًا لِمَالِيَّتِهِ عَلَى مَالِكِهِ، وَيَحْفَظُ صِفَاتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِيَدْفَعَ لِمَنْ وَصَفَهُ ثَمَنَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، (أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ؛ كَعِنَبٍ) وَرُطَبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَفِعْلُ الْأَحَظِّ فِي الْأَمَانَاتِ مُتَعَيَّنٌ. وَإِنْ احْتَاجَ فِي تَجْفِيفِهِ إلَى مُؤْنَةٍ، (فَمُؤْنَتُهُ مِنْهُ، فَيُبَاعُ بَعْضُهُ لِذَلِكَ)؛ أَيْ: لِتَجْفِيفِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ؛ رَجَعَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ؛ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ (فَإِنْ اسْتَوَتْ) الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ: فِي نَظَرِ الْمُلْتَقِطِ؛ خُيِّرَ بَيْنَهَا، فَأَيُّهَا فَعَلَ جَازَ لَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي حِفْظِ مَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، فَضَمِنَهُ كَالْوَدِيعَةِ. (وَقَيَّدَهُ)؛ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ، (جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ، وَتَابَعَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ بِمَا (بَعْدَ تَعْرِيفِهِ)، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عَرَّفَهُ (بِقَدْرِ مَا لَا يُخَافُ مَعَهُ فَسَادُهُ)، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ. الضَّرْبُ (الثَّالِثُ بَاقِي الْمَالِ)؛ أَيْ: مَا عَدَا الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الْمَالِ؛ كَالْأَثْمَانِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهِمَا. (وَيَلْزَمُهُ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطَ- (حِفْظُ الْجَمِيعِ)، مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ، وَيَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ، سَوَاءٌ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهُ، أَوْ حِفْظَهُ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ؛ وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ. وَطَرِيقَةُ التَّعْرِيفِ: بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ (بِنَفْسِهِ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطِ- (أَوْ نَائِبِهِ)؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ تَضْيِيعٌ لَهَا عَنْ صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَجُزْ؛ كَرَدِّهَا إلَى مَوْضِعِهَا وَإِلْقَائِهَا فِي غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ التَّعْرِيفُ لِمَا جَازَ الِالْتِقَاطُ، لِأَنَّ بَقَائِهَا فِي مَكَانِهَا إذَنْ أَقْرَبُ إلَى صَاحِبِهَا. إمَّا بِأَنْ يَطْلُبَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ فَيَجِدُهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَعْرِفُهَا، وَأَخْذُ هَذَا لَهَا يُفَوِّتُ الْأَمْرَيْنِ، فَيَحْرُمُ. فَلَمَّا جَازَ الِالْتِقَاطُ وَجَبَ التَّعْرِيفُ؛ كَيْ لَا يَحْصُلَ الضَّرَرُ (فَوْرًا)؛ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، إذْ مُقْتَضَاهُ الْفَوْرُ؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا، فَإِذَا عُرِّفَتْ إذَنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ (نَهَارًا)؛ لِأَنَّ النَّهَارَ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ (أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ)، قَبْلَ انْشِغَالِ النَّاسِ بِمَعَاشِهِمْ، (أُسْبُوعًا)؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ تَوَالِي طَلَبِ صَاحِبِهَا لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ النَّاسِ أُسْبُوعًا. وَقَالَ (فِي التَّرْغِيبِ ) وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: ثُمَّ يُعَرِّفُ (مَرَّةً كُلَّ أُسْبُوعٍ إلَى) تَمَامِ (شَهْرٍ، ثُمَّ) يُعَرِّفُ (مَرَّةً كُلَّ شَهْرٍ) إلَى أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ (ثُمَّ) عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا بَعْدَ الْأُسْبُوعِ مُتَوَالِيًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ (عَادَةً)؛ أَيْ: بِالنَّظَرِ إلَى عَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ (حَوْلًا) كَامِلًا مِنْ وَقْتِ (الْتِقَاطِهِ).، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ بِعَامٍ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ، وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلَادُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ، فَصَلُحَتْ قَدْرًا؛ كَمُدَّةِ أَجَلِ الْعِنِّينِ. وَصِفَةُ التَّعْرِيفِ (بِأَنْ يُنَادِيَ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ)، أَوْ مَنْ ضَاعَ مِنْهُ (نَفَقَةٌ)، وَلَا يَصِفُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَتَهَا، فَتَضِيعُ عَلَى مَالِكِهَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهَا، فَأَخَذَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا بِالْوَصْفِ؛ ضَمِنَهَا الْمُلْتَقِطُ لِمَالِكِهَا، كَمَا لَوْ دَلَّ الْوَدِيعُ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَنْ سَرَقَهَا. وَيَكُونُ مَكَانَ النِّدَاءِ (بِجَامِعِ النَّاسِ؛ كَسُوقٍ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، (وَحَمَّامٍ، وَبَابِ مَسْجِدٍ وَقْتَ صَلَاةٍ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِصَلَاةٍ (وَكُرِهَ) النِّدَاءُ عَلَيْهَا (دَاخِلَهُ)- أَيْ: الْمَسْجِدِ-؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّهَا اللَّهُ إلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» وَالْإِنْشَادُ دُونَ التَّعْرِيفِ، فَهُوَ أَوْلَى. (وَيُكْثِرُ مِنْهُ)- أَيْ: التَّعْرِيفِ- (بِمَوْضِعِ وِجْدَانِهَا)؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا، وَيُكْثِرُ مِنْهُ أَيْضًا (فِي الْوَقْتِ) الَّذِي يَلِي (الْتِقَاطَهَا)؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا، فَالْإِكْثَارُ مِنْهُ إذَنْ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِهَا إلَيْهِ. (وَإِنْ الْتَقَطَ) اللُّقَطَةَ (بِصَحْرَاءَ عَرَّفَهَا بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا)؛ أَيْ: الصَّحْرَاءِ الَّتِي الْتَقَطَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ طَلَبِهَا، (وَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى وُجُودُ رَبِّ اللُّقَطَةِ). وَمِنْهُ لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ بِصُرَّةٍ وَلَا نَحْوِهَا، عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي مُعِينِ ذَوِي الْأَفْهَامِ، حَيْثُ ذَكَرَ: أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مُلْتَقِطُهَا بِلَا تَعْرِيفٍ. (لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ)، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ كَانَ كَالْعَبَثِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا: يَجِبُ مُطْلَقًا. (وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقِطٍ) نَصًّا، لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ، فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ اكْتَرَى شَخْصًا يَقْلَعُ لَهُ مُبَاحًا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ عَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ. وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمُنَادِي عَلَى رَبِّ اللُّقَطَةِ، وَلَوْ قَصَدَ حِفْظَهَا لِمَالِكِهَا، خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. (وَإِنْ أَخَّرَهُ)- أَيْ: التَّعْرِيفَ عَنْ (الْحَوْلِ) الْأَوَّلِ أَثِمَ وَسَقَطَ، أَوْ أَخَّرَهُ (بَعْضَهُ)- أَيْ: بَعْضَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ- (لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ أَثِمَ) الْمُلْتَقِطُ بِتَأْخِيرِهِ التَّعْرِيفَ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَسَقَطَ التَّعْرِيفُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ التَّعْرِيفِ لَا تَحْصُلُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ عَرَّفَ بَقِيَّتَهُ فَقَطْ (وَلَمْ يَمْلِكْهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةَ بِهِ- أَيْ: التَّعْرِيفِ- (بَعْدُ)- أَيْ: بَعْدَ حَوْلِ التَّعْرِيفِ؛- لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا بَعْدَهُ يَسْلُو عَنْهَا، وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا. وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا، كَمَا يَأْثَمُ بِالْتِقَاطٍ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ بِلَا تَعْرِيفٍ، أَوْ لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْرِيفَهَا وَلَا تَمَلُّكَهَا، فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ، فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: نَصَّ عَلَى هَذَا [أَحْمَدُ]. (وَلَيْسَ خَوْفُهُ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطِ- (أَنْ يَأْخُذَهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةَ (سُلْطَانٌ جَائِرٍ) عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا (أَوْ خَوْفُهُ أَنْ يُطَالِبَهُ السُّلْطَانُ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَدَ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَإِنْ أَخَّرَ التَّعْرِيفَ لِذَلِكَ الْخَوْفِ؛ لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَمُرَادُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا (حَتَّى يَمْلِكَهَا) بِلَا تَعْرِيفٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (بِدُونِهِ) قَالَ: وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا بَعْدَهُ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ: تَبْقَى بِيَدِهِ، (فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا وَمَلَكَهَا)، انْتَهَى.
فَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ، (وَكَذَا إذَا) تَرَكَ تَعْرِيفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ، ثُمَّ (زَالَ عُذْرُ نَحْوِ مَرَضٍ وَحَبْسٍ وَنِسْيَانٍ، فَعَرَّفَهَا بَعْدُ)، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ التَّعْرِيفَ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَرَّفَهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلَ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ التَّنْقِيحِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِيهِ عَجْزًا؛ كَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ، أَوْ نِسْيَانًا. انْتَهَى وَكَأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ (وَمَنْ) وَجَدَ لُقَطَةً (وَعَرَّفَهَا حَوْلًا فَلَمْ تُعَرَّفْ) فِيهِ، وَهِيَ مِمَّا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، (دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ)؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: «فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِعْهَا وَفِي لَفْظٍ: وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ كُلْهَا وَفِي لَفْظٍ: فَانْتَفِعْ بِهَا وَفِي لَفْظٍ: فَشَأْنُكَ بِهَا» حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا كَانَتْ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَمْلِكُ اللُّقَطَةَ (مِلْكًا مُرَاعًا) يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ فِي وُجُوبِ الْعِوَضِ بِوُجُودِ صَاحِبِهَا، كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ بَدَلِهِ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ. انْتَهَى.
(وَلَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا)؛ فَتُمْلَكُ كَالْأَثْمَانِ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي اللُّقَطَةِ جَمِيعِهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: فَانْتَفِعْ بِهَا، أَوْ فَشَأْنُكَ بِهَا». (أَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (لُقَطَةَ الْحَرَمِ)، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ حُكْمًا؛ كَلُقَطَةِ الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ، فَأَشْبَهَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ، وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا عَامًا، وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا لَا لِتَخْصِيصِهَا، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ»، وَضَالَّةُ الذِّمِّيِّ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا. (أَوْ) كَانَ الْمُلْتَقِطُ وَجَدَ اللُّقَطَةَ (بِجَيْشٍ)- أَيْ: مَعَهُ- (بِدَارِ حَرْبٍ)، وَيَبْدَأُ بِتَعْرِيفِهَا فِي الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدِهِمْ، فَإِذَا قَفَلَ أَتَمَّ التَّعْرِيفَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا لَمْ تُعَرَّفْ؛ مَلَكَهَا كَمَا يَمْلِكُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. هَذَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَهِيَ غَنِيمَةٌ لَهُ، لَا تَحْتَاجُ إلَى تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمْوَالُهُمْ غَنِيمَةٌ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَكَيْف يُعْرَفُ ذَلِكَ، (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَجَدَ لُقَطَةً بِدَارِ حَرْبٍ، وَهُوَ فِي الْجَيْشِ عَرَّفَهَا سَنَةً، ابْتَدَأَ فِي الْجَيْشِ، وَبَقِيَّتُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي الْمَغْنَمِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِأَمَانٍ عَرَّفَهَا فِي دَارِهِمْ، ثُمَّ هِيَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي جَيْشٍ فَكَالَّتِي قَبْلَهَا. انْتَهَى.
وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (أَوْ لَمْ يَخْتَرْ) الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهَا، هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ دَاخِلَةٌ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا، يَعْنِي مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. أَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ (غَنِيًّا) فَتَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ كَالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا كَالْمِيرَاثِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ. (أَوْ أَخَّرَهُ)- أَيْ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ)، ثُمَّ عَرَّفَهَا فَيَمْلِكُهَا، وَهَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَخَّرَهُ أَوْ بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا بِهِ بَعْدُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. (أَوْ ضَاعَتْ) اللُّقَطَةُ مِنْ وَاجِدِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ، فَالْتَقَطَهَا آخَرُ، (فَعَرَّفَهَا) الْمُلْتَقِطُ (الثَّانِي، مَعَ عِلْمِهِ) بِالْمُلْتَقِطِ (الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ)؛ أَيْ: يُعْلِمْ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِاللُّقَطَةِ؛ (أَوْ أَعْلَمَهُ)؛ أَيْ: أَعْلَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَعَرَّفَهَا الثَّانِي، (وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا) تَمَلُّكَهَا (لِنَفْسِهِ)، فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِ الثَّانِي حُكْمًا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وُجِدَ مِنْهُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَمْلِكْهَا. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى لَكِنْ تَوَهَّمَ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي يَمْلِكُهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَكَوْا الْوَجْهَيْنِ فِي مِلْكِ الثَّانِي لَهَا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعْرِيفٌ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ، وَالتَّعْرِيفُ هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ، وَفِي الْإِقْنَاعِ لَمْ يَمْلِكْهَا- أَيْ: الثَّانِي- وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ. (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُلْتَقِطُ الثَّانِي بِالْمُلْتَقِطِ (الْأَوَّلِ، حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا) كَامِلًا؛ (مَلَكَهَا) الثَّانِي قَوْلًا وَاحِدًا؛ (لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إذَنْ)، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ (وَإِذَا جَاءَ رَبُّهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةِ- (أَخَذَهَا مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ الثَّانِي- (وَلَا يُطَالِبُ الْأَوَّلَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ. (وَلَوْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ، فَرَدَّهَا لَهُ)- أَيْ: لِلْأَوَّلِ- (فَإِنْ أَبَى) الْأَوَّلُ (أَخْذَهَا) فَهِيَ (لِلثَّانِي)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَرَكَ حَقَّهُ فَسَقَطَ. (وَإِنْ قَالَ) الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: (عَرِّفْهَا) وَيَكُونُ مِلْكُهَا لِي، فَفَعَلَ الثَّانِي؛ فَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّعْرِيفِ، وَيَمْلِكُهَا الْأَوَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي التَّعْرِيفِ؛ فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ: عَرِّفْهَا وَتَكُونُ (بَيْنَنَا)، فَفَعَلَ؛ صَحَّ أَيْضًا، وَكَانَتْ (بَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ نِصْفِهَا، وَوَكَّلَهُ فِي الْبَاقِي.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَعَرَّفَهَا؛ لَمْ يَمْلِكْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِأَخْذِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبُ تَمَلُّكِهَا، فَإِنَّ الِالْتِقَاطَ مِنْ جُمْلَةِ السَّبَبِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَهَا اثْنَانِ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ الِالْتِقَاطُ.

.(فَصْلٌ): [تَصَرُّفُ الْمُلْتَقِطِ فِي اللُّقَطَةِ]:

(وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطِ (فِيهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةِ- بَعْدَ تَعْرِيفِهَا الْحَوْلَ، وَلَوْ بِخَلْطٍ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ، (حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا- وَهُوَ كِيسُهَا- وَنَحْوُهُ)، كَخِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ فِيهَا، وَقِدْرٍ، وَزِقٍّ فِيهِ اللُّقَطَةُ الْمَائِعَةُ، وَلُفَافَةٍ عَلَى ثِيَابٍ. وَحَتَّى يَعْرِفَ (وِكَاءَهَا)- بِالْمَدِّ (وَهُوَ مَا شُدَّ بِهِ) الْكِيسُ، وَالزِّقُّ، هَلْ هُوَ سَيْرٌ، أَوْ خَيْطٌ مِنْ إبْرَيْسَمٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) حَتَّى يُعَرِّفَ (عِفَاصَهَا)- بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ- (وَهُوَ صِفَةُ الشَّدِّ)، فَيَعْرِفُ الْمَرْبُوطَ هَلْ هُوَ عُقْدَةٌ أَوْ عُقْدَتَانِ، وَأُنْشُوطَةٌ وَغَيْرُهَا؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَمْر بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا، وَهَذِهِ مِنْهَا. وَالْأُنْشُوطَةُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَأُنْبُوبَةٍ، عُقْدَةٌ يَسْهُلُ انْحِلَالُهَا كَعَقْدِ التِّكَّةِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِفَاصُ: كَكِتَابٍ الْوِعَاءُ فِيهِ النَّفَقَةُ، جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً أَوْ غِطَاءُ الْقَارُورَةِ، وَالْجِلْدُ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا. انْتَهَى فَالْعِفَاصُ مُشْتَرَكٌ، لَكِنْ لَمَّا ذُكِرَ مَعَ الْوِعَاءِ حُمِلَ عَلَى مَا يُغَايِرُهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ.
(وَ) حَتَّى: يَعْرِفَ (قَدْرَهَا) بِمِعْيَارِهَا الشَّرْعِيِّ، مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ. وَحَتَّى يَعْرِفَ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا الَّتِي تَتَمَيَّزُ بِهَا، وَهِيَ نَوْعُهَا، لِحَدِيثِ زَيْدٍ وَفِيهِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِيهِ «اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا، وَاخْلِطْهَا بِمَالِك، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ»؛ لِأَنَّ دَفْعَهَا إلَى رَبِّهَا يَجِبُ بِوَصْفِهَا. وَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَةِ صِفَتِهَا؛ لَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى مَعْرِفَةِ وَصْفِهَا بِانْعِدَامِهَا بِالتَّصَرُّفِ؛ وَلِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى رَبِّهَا بِوَصْفِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ. (وَسُنَّ ذَلِكَ) أَيْ: أَنْ يَعْرِفَ وِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا وَجِنْسَهَا وَقَدْرَهَا وَصِفَتَهَا عِنْدَ وِجْدَانِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ. وَسُنَّ لَهُ أَيْضًا عِنْدَ وِجْدَانِهَا إشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَمَسَّهَا حَتَّى يُشْهِدَ عَلَيْهَا، وَهَذَا النَّصُّ ظَاهِرٌ فِي الِاسْتِحْبَابِ؛ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد. لَمْ يَأْمُرْ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ. وَكَالْوَدِيعَةِ، وَفَائِدَةُ الْإِشْهَادِ حِفْظُهَا مِنْ نَفْسِهِ عَنْ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا، وَمِنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَغُرَمَائِهِ إنْ أَفْلَسَ.
وَ(لَا) يُسَنُّ الْإِشْهَادُ (عَلَى صِفَتِهَا)، لِئَلَّا يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا، وَيَذْكُرَ صِفَتَهَا، كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَقَدْ سَأَلَهُ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهَا، هَلْ يُبَيِّنُ كَمْ هِيَ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَقُولُ: أَصَبْتُ لُقَطَةً.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ صِفَاتِهَا؛ لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهَا، مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِهَا فَغَلَبَهُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ عُرْضَةُ النِّسْيَانِ انْتَهَى.
(وَمَتَى وَصَفَهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةَ- (طَالِبُهَا)- أَيْ: مُدَّعِي ضَيَاعَهَا- بِصِفَاتِهَا، وَلَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ، (لَزِمَ دَفْعُهَا لَهُ)، إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ، (بِنَمَائِهَا) الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مَالِكَهَا، وَلَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهَا عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ (بِلَا يَمِينٍ) وَلَا بَيِّنَةٍ، ظَنَّ صِدْقَهُ أَوَّلًا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَقَوْلِهِ: فَإِنْ جَاءَكَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا غَالِبًا؛ لِسُقُوطِهَا حَالَ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا بِالصِّفَةِ؛ لَمَا جَازَ الْتِقَاطُهَا، وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيِّنَةَ مُدَّعِي اللُّقَطَةَ وَصْفَهَا، فَإِذَا وَصَفَهَا فَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ.
(وَ) دَفْعُ اللُّقَطَةِ لِمُدَّعِيهَا (بِلَا وَصْفٍ) وَلَا بَيِّنَةٍ، (يَحْرُمُ، وَلَوْ ظَنَّ صِدْقَهُ)؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَى مَنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ صَاحِبُهَا، كَالْوَدِيعَةِ، (وَيَضْمَنُ).
قَالَ فِي الشَّرْحِ: فَإِنْ دَفَعَهَا، فَجَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا، أَوْ أَقَامَ بِهَا بَيِّنَةً، لَزِمَ الدَّافِعَ غَرَامَتُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى مَالِكِهَا بِتَفْرِيطِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مُدَّعِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ، وَلِصَاحِبِهَا تَضْمِينُ آخِذِهَا. فَإِذَا ضَمَّنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَدَّعِيهَا فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَجِيءَ صَاحِبِهَا فَيُغَرِّمَهُ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، فَمَلَكَ الْأَخْذَ مِنْ غَاصِبِهَا انْتَهَى.
(وَمَعَ رِقِّ مُلْتَقِطٍ وَإِنْكَارِ سَيِّدِهِ) أَنَّهَا لُقَطَةٌ؛ (فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِأَنَّهُ الْتَقَطَهَا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْقِنِّ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِنَحْوِ طَلَاقٍ.
(وَ) النَّمَاءُ (الْمُنْفَصِلُ بَعْدَ حَوْلِ تَعْرِيفِهَا لِوَاجِدِهَا)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ اللُّقَطَةَ بِانْفِصَالِ الْحَوْلِ، فَنَمَاؤُهَا إذَنْ نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَهُوَ لَهُ، لِيَكُونَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ. وَأَمَّا النَّمَاءُ الْمُنْفَصِلُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ فَيُرَدُّ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا. (وَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ، (أَوْ نَقَصَتْ)، أَوْ ضَاعَتْ (قَبْلَهُ)- أَيْ: الْحَوْلِ- (وَلَمْ يُفَرِّطْ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا)؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، فَلَمْ تُضَمْنَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، كَالْوَدِيعَةِ. وَإِنْ تَلِفَتْ، أَوْ نَقَصَتْ، أَوْ ضَاعَتْ (بَعْدَهُ)،- أَيْ: بَعْدَ الْحَوْلِ- فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ (يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ فَرَّطَ فِيهَا أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، فَكَانَ تَلَفُهَا مِنْ مَالِهِ. (وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ)؛ أَيْ: قِيمَةُ اللُّقَطَةِ إذَا تَلِفَتْ، وَقَدْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ، (يَوْمَ عَرَفَ رَبُّهَا)؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ إلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً. (وَيُرَدُّ مِثْلُ مِثْلِيٍّ)، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ مَعَ يَمِينِهِ، إذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَدْ اُسْتُهْلِكَتْ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: (وَإِنْ وَصَفَهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةَ- اثْنَانِ فَأَكْثَرَ مَعًا، أَوْ وَصَفَهَا (ثَانٍ) بَعْدَ الْأَوَّلِ، لَكِنْ (قَبْلَ دَفْعِهَا إلَى الْأَوَّلِ؛ أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِاللُّقَطَةِ، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَتُدْفَعُ لِقَارِعٍ بِيَمِينِهِ) نَصًّا؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ صَاحِبِهِ، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِيَدِ غَيْرِهِمَا، وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدَمِهَا؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَيَا وَدِيعَةً، وَقَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ. وَإِنْ وَصَفَهَا ثَانٍ (بَعْدَهُ)؛ أَيْ: بَعْدَ دَفْعِهَا لِمَنْ وَصَفَهَا أَوَّلًا؛ (فَلَا شَيْءَ لِثَانٍ)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا بِوَصْفِهِ إيَّاهَا، مَعَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُ حِينَ أَخَذَهَا، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعَهَا مِنْهُ؛ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا لَهُ؛ كَسَائِرِ مَالِهِ. (وَلَوْ أَقَامَ أَحَدٌ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ)، بَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا الْأَوَّلُ بِالْوَصْفِ؛ (أَخَذَهَا) الثَّانِي (مِنْ وَاصِفٍ)؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْوَصْفِ، فَيُرَجَّحُ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ رَآهَا عِنْدَ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَحَفِظَ أَوْصَافَهَا فَجَاءَ وَادَّعَاهَا وَهُوَ مُبْطِلٌ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ ادَّعَى اللُّقَطَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَوَصَفَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ؛ حَلَفَ وَاصِفُهَا، وَأَخَذَهَا. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِتَرَجُّحِهِ بِوَصْفِهَا. (فَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (عِنْدَهُ) أَيْ: الْوَاصِفِ (ضَمِنَهَا)؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ، كَالْغَاصِبِ، (لَا مُلْتَقِطٌ) دَفَعَهَا لِوَاصِفِهَا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الشَّرْعِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَنْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَيَغْرَمُهَا الْوَاصِفُ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؛ لِعُدْوَانِ يَدِهِ. وَإِنْ أَعْطَى مُلْتَقِطٌ وَاضِعَهَا بَدَلَهَا؛ لِتَلَفِهَا عِنْدَهُ؛ لَمْ يُطَالِبْهُ ذُو الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْوَاصِفِ بِمَا أَخَذَهُ؛ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ، إنْ لَمْ يَكُنْ أَقَرَّ لِلْوَاصِفِ بِمِلْكِهَا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُدَّعِيًا أَنَّ مُقِيمَ الْبَيِّنَةِ ظَلَمَهُ بِتَضْمِينِهِ؛ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ. (وَلَوْ أَدْرَكَهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةَ- (رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ) وَالتَّعْرِيفِ (مَبِيعَةً، أَوْ) أَدْرَكَهَا (مَوْهُوبَةً) بِيَدِ مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، أَوْ أَدْرَكَهَا مَوْقُوفَةً؛ (فَلَيْسَ لَهُ)- أَيْ: لِرَبِّهَا- (إلَّا الْبَدَلُ)؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُلْتَقِطِ وَقَعَ صَحِيحًا؛ لِكَوْنِهَا صَارَتْ فِي مِلْكِهِ. (وَيُفْسَخُ) الْعَقْدُ إنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا (زَمَنَ خِيَارٍ)؛ بِأَنْ بِيعَتْ لِشَرْطِ الْخِيَارِ، سَوَاءٌ كَانَ لِبَائِعٍ، أَوْ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي، وَتُرَدُّ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ؛ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا إلَّا الْبَدَلُ، مَا لَمْ يَخْتَرْ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ، وَلَا يَلْزَمُهُ؛ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا (بَعْدَ عَوْدِهَا) إلَى الْمُلْتَقِطِ، (بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ)؛ فَيَنْتَزِعُهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي يَدِ مُلْتَقِطٍ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ، كَالزَّوْجِ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَوَجَدَ الصَّدَاقَ قَدْ رَجَعَ إلَى الْمَرْأَةِ. (أَوْ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا بَعْدَ (رَهْنِهَا)، فَإِنَّ رَبَّهَا يَنْتَزِعُهَا مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ. (وَمُؤْنَةُ رَدِّ) اللُّقَطَةِ إلَى مَالِكِهَا إنْ احْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ (عَلَى رَبِّهَا). ذَكَرَهُ فِي التَّعْلِيقِ وَالِانْتِصَارِ؛ لِتَبَرُّعِ الْمُلْتَقِطِ بِحِفْظِهَا. (وَلَوْ قَالَ رَبُّهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةِ- (بَعْدَ تَلَفِهَا) بِيَدِ الْمُلْتَقِطِ، (بِحَوْلِ تَعْرِيفٍ)، بِلَا تَفْرِيطِ الْمَشْرُوعِ: عَلَيْك ضَمَانُهَا؛ لِكَوْنِكَ (أَخَذْتَهَا لِتَذْهَبَ بِهَا) لَا لِتُعَرِّفَهَا،
(وَقَالَ مُلْتَقِطٌ): بَلْ أَخَذْتُهَا (لِأُعَرِّفَهَا)؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ)- أَيْ: الْمُلْتَقِطِ- (بِيَمِينِهِ). ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ. (وَوَارِثُ) مُلْتَقِطٍ (فِيمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ (كَمُوَرِّثِهِ)؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، فَإِنْ مَاتَ مُلْتَقِطٌ، عَرَّفَهَا وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْحَوْلِ، وَمَلَكَهَا، وَبَعْدَ الْحَوْلِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إرْثًا؛ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ، وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا، أَوْ وَارِثُهُ، أَخَذَهَا أَوْ بَدَلَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ عَدِمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ؛ فَرَبُّهَا غَرِيمٌ بِبَدَلِهَا فِي التَّرِكَةِ. (وَمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ)، كَإِغْمَاءٍ، (فَوَجَدَ بِثَوْبِهِ) أَوْ كِيسِهِ مَالًا، دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا، (لَا يَدْرِي مَنْ صَرَّهُ) أَوْ وَضَعَهُ فِي كِيسِهِ أَوْ جَيْبِهِ؛ (فَهُوَ لَهُ) بِلَا تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ لَهُ، (وَلَا يَبْرَأُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَحْوِ نَائِمٍ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ (شَيْئًا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ بَعْدَ إفَاقَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي حَالَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مُوجِبُ الضَّمَانِ الْمَأْخُوذِ عَلَى آخِذِهِ؛ لِوُجُودِ التَّعَدِّي؛ لِأَنَّهُ إمَّا سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِرَدِّهِ عَلَى مَالِكِهِ، فِي حَالَةٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ فِيهَا. (وَمَنْ وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ) اشْتَرَاهُ، كَشَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ (نَقْدًا) كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَجَدَهَا فِي بَطْنِ الشَّاةِ؛ فَلُقَطَةٌ. (أَوْ) وَجَدَ فِيهِ (دُرَّةً) أَوْ عَنْبَرَةً؛ فَهُوَ (لُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ)، يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا؛ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، (وَيَبْدَأُ فِي تَعْرِيفٍ بِبَائِعٍ)؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ ابْتَلَعَتْهَا مِنْ مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ صَيْدًا مَخْضُوبًا، أَوْ فِي أُذُنِهِ قُرْطٌ، أَوْ فِي عُنُقِهِ خَرَزٌ؛ فَإِنَّهُ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِضَابَ وَنَحْوَهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَإِنْ وَجَدَ) إنْسَانٌ (دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ فِي) بَطْنِ (سَمَكَةٍ مَلَكَهَا) بِاصْطِيَادِهِ لَهَا مِنْ الْبَحْرِ؛ (فـَ) الدُّرَّةُ (لِصَيَّادٍ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلَاعُهَا مِنْ مَعِدَتِهَا.
قَالَ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} وَإِنْ بَاعَ الصَّيَّادُ السَّمَكَةَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالدُّرَّةِ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهَا؛ فَتُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبِعْهُ، وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ الصَّيَّادُ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ مَا لَا يَكُونُ إلَّا لِآدَمِيٍّ؛ كَدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ وَجَدَ فِيهَا دُرَّةً أَوْ غَيْرَهَا مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَلُقَطَةٌ، لَا يَمْلِكُهَا الصَّيَّادُ، بَلْ يُعَرِّفُهَا، (وَكَطَيْرٍ صَادَهُ، وَلَا أَثَرَ مِلْكٍ بِهِ)؛ فَهُوَ لِلصَّيَّادِ.
(وَ) إنْ وَجَدَ إنْسَانٌ (عَنْبَرَةٌ بِسَاحِلٍ) فَحَازَهَا؛ فَهِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَحْرَ قَذَفَ بِهَا، فَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ فَهُوَ لَهُ. وَمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَلْقَى بَحْرُ عَدَنَ عَنْبَرَةٌ مِثْلُ الْبَعِيرِ، فَأَخَذَهَا نَاسٌ بِعَدَنَ، فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَكَتَبَ إلَيْنَا: أَنْ خُذُوا مِنْهَا الْخُمُسَ، وَادْفَعُوا إلَيْهِمْ سَائِرَهَا، وَإِنْ بَاعُوكُمُوهَا فَاشْتَرُوهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَزِنَهَا فَلَمْ نَجِدْ مِيزَانًا يُخْرِجُهَا، فَقَطَعْنَاهَا ثِنْتَيْنِ وَوَزَنَّاهَا، فَوَجَدْنَاهَا سِتَّمِائَةِ رِطْلٍ، فَأَخَذْنَا خُمُسَهَا، وَدَفَعْنَا سَائِرَهَا، ثُمَّ اشْتَرَيْنَاهَا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَبَعَثْنَا بِهَا إلَى عُمَرَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا قَلِيلًا حَتَّى بَاعَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ؛ فَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْ عُمَرَ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ جَمِيعَهَا لِوَاجِدِهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَنْبَرَةُ عَلَى السَّاحِلِ؛ فَلُقَطَةٌ يُعَرِّفُهَا (مَا لَمْ تُصَدْ) السَّمَكَةُ الَّتِي وَجَدَ بِهَا الدُّرَّةَ (مِنْ عَيْنٍ أَوْ نَهْرٍ لَا يَتَّصِلُ بِالْبَحْرِ)؛ فَكَالشَّاةِ فِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مِنْ دُرَّةٍ مَثْقُوبَةٍ أَوْ غَيْرِ مَثْقُوبَةٍ لُقَطَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ وَالنَّهْرَ غَيْرَ الْمُتَّصِلِ لَيْسَ مُعَدًّا لِلدُّرِّ. وَعُلِمَ مِنْهُ إنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْبَحْرِ، وَكَانَتْ الدُّرَّةُ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ، أَنَّهَا لِلصَّيَّادِ، (أَوْ) وَجَدَ (بِهِ)- أَيْ: بِمَا الْتَقَطَ (أَثَرَ مِلْكٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ لَهُ)- أَيْ: لِلْمُلْتَقِطِ- تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تَكْمِيلٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ أَلْقَى شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَوَقَفَتْ فِيهَا سَمَكَةٌ، فَجَذَبَتْ الشَّبَكَةَ فَمَرَّتْ بِهَا فِي الْبَحْرِ، فَصَادَهَا رَجُلٌ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّ السَّمَكَةَ لِلَّذِي حَازَهَا، وَالشَّبَكَةُ يُعَرِّفُهَا، وَيَدْفَعُهَا إلَى صَاحِبِهَا. فَجَعَلَ الشَّبَكَةَ لُقَطَةً؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِآدَمِيٍّ، وَالسَّمَكَةَ لِمَنْ صَادَهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً، وَلَمْ يَمْلِكْهَا صَاحِبُ الشَّبَكَةِ؛ لِكَوْنِ شَبَكَتِهِ لَمْ تُثْبِتْهَا، فَبَقِيَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي. وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رَجُلٍ انْتَهَى إلَى شَرَكٍ فِيهَا حِمَارُ وَحْشٍ أَوْ ظَبْيَةٌ قَدْ شَارَفَ الْمَوْتَ، فَخَلَّصَهُ وَذَبَحَهُ: هُوَ لِصَاحِبِ الْأُحْبُولَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْأُحْبُولَةِ فَهُوَ لِمَنْ نَصَبَهَا. وَإِنْ بَازِيًا أَوْ صَقْرًا أَوْ عُقَابًا قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ بَازٍ أَوْ صَقْرٍ أَوْ كَلْبٍ مُعَلَّمٍ أَوْ فَهْدٍ ذَهَبَ عَنْ صَاحِبِهِ فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَمَرَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى أَتَى لِذَلِكَ أَيَّامٌ، فَأَتَى قَرْيَةً فَسَقَطَ عَلَى حَائِطٍ، فَدَعَاهُ رَجُلٌ فَأَجَابَهُ، قَالَ: يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ دَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَنَصَبَ لَهُ شَرَكًا فَصَادَهُ بِهِ، قَالَ: يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ. (وَمَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ لِصٍّ أَوْ نَاهِبٍ، أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ) أَنَّهُ لَهُ (وَوَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ)، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ وَصَفَ مَغْصُوبًا وَمَسْرُوقًا وَمَنْهُوبًا وَنَحْوَهُ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَصْفِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ. ذَكَرَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي دَفْنِ الدَّارِ؛ فَمَنْ وَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ؛ لِتَرَجُّحِهِ بِالْوَصْفِ قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسْعِينَ: مَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَوَصَفَهُ؛ دُفِعَ إلَيْهِ بِالصِّفَةِ، إذَا جُهِلَ رَبُّهُ وَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدٌ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ، وَإِلَّا فَلَا.

.(فَصْلٌ): [وُجُوبِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ حَوْلًا وَمِلْكِهَا بَعْدَهُ]:

(وَلَا فَرْقَ) فِي وُجُوبِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ حَوْلًا وَمِلْكِهَا بَعْدَهُ، (بَيْنَ مُلْتَقِطٍ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَقِنٍّ لَمْ يَنْهَهُ سَيِّدُهُ، وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ)؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ، فَاسْتَوَوْا فِيهِ، كَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا؛ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَتَقَدَّمَ، (وَإِنْ وَجَدَهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةَ- (صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ مَجْنُونٌ)، صَحَّ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَسُّبٍ كَالِاصْطِيَادِ، وَ(قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا عَنْهُ)- أَيْ: عَنْ وَاجِدِهَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِوَاجِدِهَا حَقُّ التَّمَلُّكِ فِيهَا، فَكَانَ عَلَى وَلِيِّهِ الْقِيَامُ بِهَا.
وَ(لَا) تَكُونُ اللُّقَطَةُ (لَهُ)- أَيْ: لِلْوَلِيِّ- بَلْ لِوَاجِدِهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَمَّ بِشَرْطِهِ. (فَإِنْ تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِيَدِ أَحَدِهِمْ) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَ) إنْ (فَرَّطَ) فِي حِفْظِهَا؛ (ضَمِنَ) مَا تَلِفَ مِنْهَا بِتَفْرِيطِهِ فِي مَالِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي صَبِيٍّ (كَإِتْلَافِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَكَتْمُهَا)- أَيْ: اللُّقَطَةِ- (عَنْ وَلِيِّهِ)؛ أَيْ: وَلِيِّ الْوَاجِدِ لَهَا، (تَفْرِيطٌ) مِنْهُ (ذَكَرَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى. وَإِنْ كَانَ تَلَفُهَا (بِتَفْرِيطِ وَلِيٍّ) وَاجِدِهَا؛ بِأَنْ (عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ)؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحِفْظِ، حَتَّى تَلِفَتْ؛ (فَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْوَلِيِّ- ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مُوَلِّيهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. (وَلَوْ عَرَّفَهَا مُمَيِّزٌ بِنَفْسِهِ) بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ؛ (فَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ) لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ. (فَلَوْ لَمْ يُعَرِّفْهَا) الْوَلِيُّ، وَلَا الصَّغِيرُ (حَتَّى بَلَغَ؛ لَمْ يَمْلِكْهَا)؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى أَجَلُ التَّعْرِيفِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ، وَإِنْ عَرَّفَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بَعْدَهُ لَا يُفِيدُ ظَاهِرًا؛ لِكَوْنِ صَاحِبِهَا يَيْأَسُ مِنْهَا، وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا.
قَالَ الْإِمَامُ، فِي غُلَامٍ أَصَابَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، فَذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ، فَضَاعَتْ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرَادَ رَدَّهَا، فَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا: تَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، وَكَانَ يَجْحَفُ بِهِ؛ تَصَدَّقَ قَلِيلًا قَلِيلًا.
قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِ الصَّبِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ وَلِيَّهُ حَتَّى يَقُومَ بِتَعْرِيفِهَا. انْتَهَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّعْرِيفَ لِعُذْرٍ؛ كَانَ كَتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِعُذْرٍ لَيْسَ مَانِعًا لِلتَّعْرِيفِ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الْعُذْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ فِيهِ)- أَيْ: الصَّغِيرِ- أَنَّ تَرْكَهُ التَّعْرِيفَ لِعُذْرِ صِغَرٍ، كَتَرْكِ غَيْرِهِ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ أَوْ مَرَضٍ) أَوْ حَبْسٍ وَنَحْوِهِ مَنَعَهُ عَنْ التَّعْرِيفِ أَنَّهُ مَتَى زَالَ الْعُذْرُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا، بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِعَدَمِ تَأْخِيرِ التَّعْرِيفِ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا. (وَالْقِنُّ) يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّغِيرُ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، فَصَحَّ مِنْ الرَّقِيقِ. وَلَهُ تَعْرِيفُهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، كَاحْتِطَابِهِ وَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسْبِيٌّ، فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ، وَلَهُ إعْلَامُ سَيِّدِهِ الْعَدْلِ بِهَا، إنْ أَمِنَهُ عَلَيْهَا. وَ(لِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ)؛ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقِنُّ قَدْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ تَمَامَهُ، (وَ) لِسَيِّدِهِ أَيْضًا (تَرْكُهَا مَعَهُ)- أَيْ: مَعَ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ- (إنْ كَانَ) الرَّقِيقُ (عَدْلًا؛ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا)، وَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا، كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ أَمِينٍ كَانَ السَّيِّدُ مُفَرِّطًا بِإِقْرَارِهَا فِي يَدِهِ؛ فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ؛ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ اللُّقَطَةِ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ) الرَّقِيقُ (سَيِّدَهُ) عَلَى اللُّقَطَةِ، (لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا، وَذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ، وَيُسَلِّمُهَا إلَى الْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ. فَإِنْ أَعْلَمَ سَيِّدَهُ بِهَا فَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُ، أَوْ أَخَذَهَا فَعَرَّفَهَا، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا، فَتَلِفَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِتَفْرِيطٍ مِنْ أَحَدِهِمَا. (وَمَتَى تَلِفَتْ) اللُّقَطَةُ (بِإِتْلَافِهِ)- أَيْ: الرَّقِيقِ الْمُلْتَقَطَ- (أَوْ تَفْرِيطِهِ) فِي الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَوْ بِدَفْعِهَا لِسَيِّدِهِ، وَهُوَ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهَا؛ (فَفِي رَقَبَتِهِ) ضَمَانُهَا (مُطْلَقًا)، سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ فِي رَقَبَتِهِ كَغَيْرِ اللُّقَطَةِ. (وَكَذَا مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ وَأُمُّ وَلَدٍ، لَكِنْ إنْ فَرَّطَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَدَاهَا سَيِّدُهَا بِالْأَقَلِّ) مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَتْهُ؛ كَسَائِرِ إتْلَافَاتِهَا. (وَمُكَاتَبٌ) فِي الْتِقَاطٍ (كَحُرٍّ)؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ، وَهَذَا مِنْهَا وَمَتَى عَادَ قِنًّا بِعَجْزِهِ كَانَتْ كَلُقَطَةِ الْقِنِّ (وَ) مَا يَلْتَقِطُ (مُبَعَّضٌ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ) عَلَى قَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ؛ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ. (وَكَذَا) فِي الْحُكْمِ (كُلُّ نَادِرٍ مِنْ كَسْبٍ؛ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَرِكَازٍ) وَنَحْوِهَا؛ كَنِثَارٍ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ. (وَلَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا)- أَيْ: الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ- (مُهَايَأَةً)؛ أَيْ: مُنَاوَبَةً عَلَى أَنَّ كَسْبَهُ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَلِسَيِّدِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا يُظَنُّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ. وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الْمُلْتَقِطُ بَيْنَ شُرَكَاءِ؛ فَاللُّقَطَةُ بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ فِيهِ.